### **"الكل هنا يكذب": عندما تتداعى واجهات الكمال في ضواحي ستانهوب**
في عالم أدب التشويق النفسي، رسّخت الكاتبة
الكندية شاري لابينا اسمها كواحدة من أبرع مهندسي الحبكات المعقدة التي تغوص في
أعماق النفس البشرية وتكشف عن الظلام الكامن خلف الأبواب المغلقة. وفي روايتها "الكل
هنا يكذب" (Everyone Here Is Lying)، تعود لابينا إلى ملعبها المفضل: الضاحية
الهادئة التي تبدو مثالية، لتُظهر لنا ببراعة كيف يمكن لحدث واحد صادم أن يُمزّق
نسيجها الهش، ويكشف عن شبكة من الأسرار والخداع والأكاذيب التي يخفيها الجميع.
![]() |
### **"الكل هنا يكذب": عندما تتداعى واجهات الكمال في ضواحي ستانهوب** |
1. كيف
يعمل اختفاء الطفلة "آفري" كمحفز لكشف شبكة الأكاذيب والأسرار التي
يخفيها سكان حي ستانهوب؟
2. ما
هو الدور الذي يلعبه عنوان الرواية، "الكل هنا يكذب"، في توجيه شكوك
القارئ وتوقعاته تجاه كل شخصية؟
3. ما
هي أبرز التقنيات السردية التي تستخدمها الكاتبة شاري لابينا لخلق جو من التوتر
والتشويق النفسي المستمر؟
4. إلى
أي مدى تتجاوز الرواية كونها قصة جريمة لتصبح نقداً اجتماعياً لزيف المظاهر وضغط
الحفاظ على صورة الحياة المثالية؟
أحداث الرواية
تدور أحداث الرواية في حي "ستانهوب"، وهو المكان الذي يطمح إليه الكثيرون؛ مجتمع مسوّر، آمن، ومثالي لتربية الأطفال. لكن خلف هذه الواجهة البرّاقة، تعيش شخصيات محطمة تكافح للحفاظ على مظهر الكمال. الشخصية المحورية هي الدكتور ويليام وولر
- طبيب محترم وزوج وأب، يجد نفسه في عين العاصفة عندما تقرر عشيقته وجارته، نورا، إنهاء
- علاقتهما السرية بشكل مفاجئ. يعود ويليام إلى منزله غارقًا في الإحباط والتوتر، ليجد ابنته آفري
- البالغة من العمر تسع سنوات، قد عادت من المدرسة مبكرًا وتتصرف بغرابة. في لحظة يفقد فيها
- السيطرة، يتفجر غضبه عليها، ثم يغادر المنزل. وبعد ساعات قليلة، يتم الإبلاغ عن اختفاء آفري
- وهنا يبدأ كابوس حي ستانهوب الحقيقي.
ما يميز بناء الرواية
هو أن اختفاء الطفلة ليس مجرد جريمة غامضة تحتاج إلى حل، بل هو الحجر الذي أُلقي في بحيرة راكدة، لتصعد إلى السطح كل الأسرار المخبأة في قاعها. سرعان ما نكتشف أن عنوان الرواية ليس مجرد جملة جذابة، بل هو الحقيقة المطلقة التي تحكم عالمها.
- فويليام يكذب بشأن علاقته بنورا، ويكذب بشأن آخر لقاء له مع ابنته. زوجته، إيرين، تخفي هي
- الأخرى أسرارًا تتعلق بماضيها وصحتها النفسية. نورا، العشيقة، وزوجها، يخفيان تفاصيل قد
- تورطهما. وحتى المراهقون في الحي لديهم ما يخشون انكشافه. كل شخصية في ستانهوب لديها دافع
- للكذب، وكل كذبة تخلق طبقة جديدة من التعقيد، مما يجعل مهمة الشرطة والقارئ في كشف الحقيقة
- شبه مستحيلة.
تستخدم شاري لابينا أسلوبها السردي المميز الذي يعتمد على الفصول القصيرة والمكثفة والتنقل السريع بين وجهات نظر الشخصيات المختلفة. هذا الأسلوب لا يمنح القارئ إحساسًا باللهاث ومطاردة الأحداث فحسب، بل يجعله شريكًا في التحقيق. ففي كل فصل
نحصل على قطعة جديدة من اللغز من منظور شخصية مختلفة، ولكن هذه القطعة غالبًا ما تكون مشوهة بأكاذيبها الخاصة أو تصوراتها المنحازة. تجبرنا لابينا على التشكيك في كل كلمة نقرأها، وتضعنا في حالة دائمة من التخمين، حيث يتحول كل جار وكل صديق إلى مشتبه به محتمل.
أبعد من مجرد حبكة بوليسية
تقدم "الكل هنا يكذب" تشريحًا نفسيًا لمجتمع على حافة الانهيار. إنها رواية عن ضغط التوقعات الاجتماعية، وعن الهشاشة الكامنة في العلاقات الأسرية، وعن كيف يمكن للقرارات السيئة التي نتخذها في لحظات ضعف أن تتسبب في انهيار كارثي لا يمكن السيطرة عليه.
- تطرح الرواية سؤالًا جوهريًا: إلى أي مدى يمكن للأشخاص العاديين
- الذهاب لحماية أسرارهم والحفاظ على صورتهم المثالية؟
في الختام
تعد رواية "الكل هنا يكذب" رحلة مثيرة ومظلمة إلى قلب الضواحي الأمريكية، حيث لا شيء كما يبدو. إنها شهادة على مهارة شاري لابينا في نسج خيوط الشك والتوتر، وتقديم شخصيات معيبة وواقعية تجعلنا نتساءل عن الأسرار التي قد يخفيها جيراننا.
الرواية ليست مجرد قصة عن طفلة
مفقودة، بل هي مرآة تعكس حقيقة أن الخطر الأكبر قد لا يأتي من الغرباء، بل من
الأشخاص الذين نعتقد أننا نعرفهم جيدًا.